peter khalla Admin
عدد المساهمات : 233 تاريخ التسجيل : 19/05/2011 العمر : 39
| موضوع: ملاحظات ثقافية حول القصة القصيرة جدا السبت مايو 28, 2011 8:49 pm | |
| ملاحظات ثقافية حول القصة القصيرة جدا
أعترف ان بعض ما قرأته مما يسمى قصص قصيرة جميل .. ولكنه جمال سريع العبور والتلاشي ، لحظة بعد قراءة النص .وبعض النصوص مجرد ثرثرة بلا معنى ولا فكرة ولا رؤية ، ولو اراد كاتب متمرس مثلي لأنتج مجموعة قصصية من القصيرة جدا كل يوم ، وربما بمضمون وروح دعابة ، وفكرة فلسفية ، ونص شاعري ، أجمل من كل ما قرأت من قصص قصيرة جدا.
انا لست مقتنعا من أمرين بكل ما يسمى القصة القصيرة جدا ، اولا من كون هذا اللون ينتمي لعالم القصة ، وثانيا من رؤيتي انالتسمية قصة قصيرة جدا هي تسمية دخيلة على عالم القصة،القصة القصيرة هي قصة قصيرة وقد تكون ومضة حقا ولا ارى ان المساحة هي المقررة ، انما المضمون ، وما يسمى بدون وجه حق قصة قصيرة جدا ، القليل منه فقط ، يمتلك عناصر القصة... والباقي ليس قصة وليس أدبا حتى..!! هل هذا يعني ان قصة قصيرة مصوغة بكثافة روائية تصير، حسب هذا المنطق " رواية قصيرة جدا؟ " . قناعتي ان هذه التسمية عبثية!! القصةالقصيرة جدا تفتقد للمبنى القصصي بحكم مساحتها ، وغياب عناصر هامة مثل الخطاب التاريخي والخطاب الفني ، وبناء الحدث ، وبناء سيكولوجية الحدث وأبطاله، أي بمفهوم أوضح دراسة العوامل النفسية للفكرة الدرامية ولشكل تصرف الأبطال . ربما ينفع نص ما يسمى قصة قصيرة جدا ليكون حالة معينة داخل قصة. أعرف ان موقفيسيثير رفضا واسعا ، لأن الكثيرين من الذين فشلوا في صياغة قصة قصيرة يبحثون عن تغطية ثقافية .. ولكني لم أتعود ان ابقي رأيي طي الكتمان . لا أطرح ما أطرحه لأنتقص منقيمة اي كتابة أدبية ابداعية. وكما قلت بعض ما يسمى القصص القصيرة جدا قرأتها بمتعة، رغم اني لم أدخل في نوسطالجيا القصة القصيرة ، او أجواء الدهشة والاحساس بالحدث ، وشعور التواصل والرفض لمواقف ابطال النص القصصي ، او القناعة الفكرية بموقف او نهاية . وخلافي ليس حول قدرات ابداعية لبعضكتابها ، لأن الأكثرية المطلقة من كتاب هذا اللون ، صاروا تماما مثل شعراء آخر زمان ، الذين هبطوا على الشعر بدون فهم ادوات الشعر ، ولغة الشعر وصياغة الصور الشعرية ، ووجدوا بالمنثور غطاء تنكريا ، بينما الشاعر الوحيد الذي اثبت نفسه في الشعر المنثور هو الشاعر محمد الماغوط . وقد نجد القليل عند غيره من المنثورات الجيدة .. ولكنها لا تشكل حالة ثقافية . لذلك نرى الكثير من حاملي صفة شعراء وكتاب قصة قصيرة جدا ، او حتى قصة قصيرة ، ولا نجد بينهم الا عدد نادر من الشعراء والكتاب ، وبالكاد لديهم روح أدبية تستحق الالتفات . يقلقني تماما ان حالة من التسيب والسهولة التي وجدها البعض في هذا اللون من الكتابة ، قد تقود الى تعميق أزمتنا الأدبية .. بحيث تصير الكتابة القصصية القصيرة جدا ملعبا للكثير من الفاشلين قصصيا ، تماما كماان الشعر المنثور أضحى لعبة يمارسها الفاقدون حتى للحس اللغوي وليس لبحور الشعروأوزانه فقط . . أفهم ان شاعرا مجيدا مثل محمود درويش او نزار قباني كتبا قصائدالنثر ، او ظهرت نثريات في قصائد بعضها موزون . لدرجة ان القارئ العادي ، او المثقفأكثر ، يستصعب أحيانا الفرز بين الموزون والمنثور او فهم ان بعض الشعر ، رغم انهعلى المسطرة من ناحية الوزن الا انه يبدو لغير الملمين بالأوزان الشعرية ،نثرا . أحدالأدباء العرب داخل اسرائيل ، الدكتور فاروق مواسي أصدر مجموعة قصص قصيرة جدا حملتعنوان " مرايا وحكايا" قرأتها وأعجبتني روحها الأدبية .. ولكني لا أستطيع قبولها كقصص ، لا قصيرةولا قصيرة جدا . تفتقد لمبنى القصة . ربما كتابة ذكية ببعضها روح الدعابة . لذا امتنعت من الكتابة عن مجموعته رغم رؤيتي انها لوحات كتبت بذكاءوحس أدبي جميل . واليكم نموذج ، وهي القصة الأولى في المجموعة:
سمك
سألته وهي تهاتفه : أي الطعام أحب اليك ؟ أجابها بلا تردد : سمك .. ! ولم تكن تحب السمك ... والفت نفسها بعد ايام تكثر من شراء السمك للعائلة ،تقدمه مقليا ومشويا وتاكله بشهية .. وتساءلت العائلة: ما سر شراء السمك بهذاالقدر ... ترى هل رخص السمك ؟! ****
أعترف انها فكرة جميلة ، وهي أجمل قصة برايي في المجموعة ، ولكن السؤال ،الم يكن من الممكن تطوير عقدة قصصية من نفس هذه الفكرة السريعة ، وجعلها أكثر جمالاوأكثر اندماجا بجو قصصي يعيش لفترة أطول في ذهن القارئ ، ويخلق انفعالات درامية تدوم في ذاكرة القارئ لفترة أكثر امتدادا ؟ سيقولون لي عصر السرعة .. هذه حجة تولد ميتة. اذن تعالوا نجعل الرياضيات والفيزياء والكيمياء والعلاجالطبي يخضع لفكرة السريع جدا، أو القصير جدا ..؟ فكرة القصير وارتباطها بعالمنا السريع ، هيتدمير للأدب . ربما تكون قصة قصيرة لا تتعدى الخمسين كلمة. أو أقل ، ولكنها ليستقاعدة اطلاقا. وتحويلها الى قاعدة يبنى عليها تحمل في داخلها ميكروبات قاتلة للأدب . الأدب متعة نفسية وجمالية وفلسفية وأخلاقية وتطويرية ونقدية .. ورحلة في عالمالانسان والطبيعة والجماليات ، لا يمكن اختصاره الى قصة قصيرة جدا ، تكتب خلال دقيقتين . من هذا الشكلمثلا قصة كتبتها خلال دقيقتين بدون فكرة مسبقة، من أجل ان أثبت لنفسي أولا عبث فكرة القصة القصيرة جدا. وقدرة كاتب متمكن من مهنته ، ان يصوغ عشرات من النصوص ، من هذا النوع ، خلال جلسة واحدة قصيرة. واليكم النموذج :
أضف الى رجائك ورقةياناصيب
كان يصلي لربه ان ينقذه من تدهور حالته الاقتصادية ، بأن يجعله يفوزبمليون دولار بسحب اليانصيب . وتمضي الأيام والأسابيع ، والله لا يستمع لندائه. أخيرا وقف يصيح بأعلى صوته: الم تقل على لسان ابنك اقرعوا يفتح لكم ؟ ابحثوا تجدوا ؟ اكاد اموتجوعا وانت لا تسجيب لندائي بأن أفوز ياليانصيب!" وجاءه صوت مجلجل من السماء: " عليك ان تقوم بخطوة كي تساعدني على مساعدتك ، اشتر اولا ورقة يانصيب . وقصة أخرى : كتابة تافهة ..؟ جلس يهودي متدين في عيد الفصح في حديقة ، وكان يأكل المصة . جلس بقربه رجل أعمى ، قدم له اليهودي قطعة من المصة ، تلمس الأعمى المصة باصابعه من الجهتين وسال بحيرة : " من كتب هذه التفاهات ؟" وقصة أخرى: من تصدق ؟ دخل بيته ووجد زوجته وافضل اصدقائه عاريان في السرير. قبل ان يفتح فمه قفز صديقه من السرير قائلا : " قبل ان تقول شيئا أخي ، فكر جيدا ، من تصدق ، صديقك ام عينيك ؟ " هذه القصة قد تبدو نكتة عابرة ولكنها فلسفيا تطرح موضوعا هاما :" على أي نوع من المعلومات عن عالمنا يجب ان نعتمد ؟" هل تريدون ان اواصل ؟ انسانية "الانسانية ؟ ليست ان يبصق صدرك دما من طلقة مدفع في يد عدو. الانسانية؟ ان تزغرد رصاصاتك فرحا بالنصر !!" هل يمكن وصف هذا المقطع بالقصة؟ مقاومة انت في مهمة ، ومهمتك تطبيقية ، مهمتك ان تضغط باصبعك الى الوراء ، بعد ان يكون الصليب المنبعث امام عينك عبر منظار البندقية ، قد تعلق كوسام الشرف فوق صدر الذي احتل ارضك " غضب أيوب فقام ايوب ومزق جبته وجز شعر راسه وخر على الآرض ساجدا. قال ايوب : عريانا خرجت من بطن امي وعريانا اعود الى هناك ، الرب أعطى والرب أخذ ، فليكن اسم الرب مباركا ." وقتلت فلسطين!! بعد نكسة 1967 كتبت مجموعة "ٌقصص جو " تحوي عشرت المقاطع المستقلة في اطار قصصي واحد ، بامكاني تحويلها الى أكثر من 50 قصة قصيرة جدا . ولكني لا أشعر بأني ابدع كتابة قصصية ، انما فذلكة نصية لا أكثر. وانهي بهذا المقطع : الموجات الثلاث وصلت قبل ايام ، كنت في رحلة الى بحر هائج . أضعت هناك ثلاث موجات ، وعندما وصلت ميناء النهار اكتشفت اني أضعت ايضا نصف البحر وحبيبتي التي كانت تحتضنني بين وديانها وجبالها .. آه من ألمي . حملتني الريح بعيدا عنها.. وها انا أبحث عنها حتى اليوم . **** مثل هذه القصص لا تحتاج الى الدخول في مشكلة التكنيك القصصي ، وضبطالخطابين الأدبي الفني من جهة والتاريخي الأيديولوجي من الجهة الأخرى ، لصياغة قصة فنية متوازنة ، وانتاج نص يشد القارئ ويثير دهشته.. مثل هذه "القصيرة جدا " لا تحتاج الى التفكير بخلق عالم البطل وشخصيته ،ودراما واقعه ، مثل هذه القصة لا تحتاج الى خلق أحداث حياتية ونص متماسك يأسر بدهشته القارئ ، وتكريس تفكير وجهود فنية لجعل الفكرة أكثر كثافة في ذهن القارئ ، وأكثر عمقا اجتماعيا ،وأبعد في صياغتها من مجرد خبر كتب بروح الدعابة السوداء او البيضاء. لاحظت انبعض الزملاء يعلقون على القصص القصيرة جدا بكلمة مكررة " كثافة " هل حقا يدركونمفهوم التكثيف في الأدب او في النص اللغوي او في الطرح الفكري؟ رجاء لا تدمروا هذا التعبير باستعماله في غير مكانه ، يكفينا ان مفهوم الحداثة صار يطبق على كل كتابة مفككة وهابطة لغويا وفنيا .. وبجهل كامل لمعاني التعابير والاصطلاحات ومضامينها ومصادرها الفكرية .
القصة القصيرة جدا ليست تكثيفا لشيء ، بل اختصارا لفكرة وتجزيئها . لا افهم ما هو التكثيف في النص القصصي ، الا اختراعا لإصطلاح للتغطية على الفقر القصصي. هذا رأي .. لست متمسكا ومتعصبا له ، او لأي رأي آخر ، لأن عالمنا متحرك متغيرمتطور ، عاصف بأفكاره ومعاييره ، ممتد بعمقه واتساعه بكل الاتجاهات ، وفقط الملقّنون( بفتح القاف ) يتمسكون برأي ثابت لا يتغير.. هذه هي قناعتي ، حتى هذه اللحظة على الأقل.. !! نبيل عودة – كاتب وناقد واعلامي – الناصرة | |
|